أخبر أنهم ـ مع ضلالتهم وكفرهم ـ متفاوتون فى أخلاقهم ، فكلّهم خونة فى أمانة الدّين ، ولكنّ منهم من يرجع إلى سداد المعاملة ؛ ثم وإن كانت معاملتهم بالصدق فلا ينفعهم ذلك فى إيجاب الثواب ولكن ينفعهم من حيث تخفيف العذاب ؛ إذ الكفار مطالبون بتفصيل الشرائع ، فإذا كانوا فى كفرهم أقلّ ذنبا كانوا بالإضافة إلى الأخسرين أقلّ عذابا ، وإن كانت عقوبتهم أيضا مؤبّدة.
ثم بيّن أنه ليس الحكم إليهم حتى إذا :
(قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).
فلا تجرى عليهم هذه الحالة ، أو تنفعهم هذه القالة ، بل الحكم لله تعالى.
قوله جلّ ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧))
الذين آثروا هواهم على عقباهم ، وقدّموا مناهم على موافقة مولاهم أولئك لا نصيب لهم فى الآخرة ؛ فللاستماع بما اختاروا من العاجل خسروا فى الدارين.
بقوا عن الحق ، وما استمتعوا بحظّ ، جمع عليهم فنون المحن ولكنهم لا يدرون ما أصابهم : لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ، ثم مع هذا يخلّدهم فى العقوبة الأبدية.
قوله جل ذكره :
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨))