لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤))
قوله : (إِذْ تُصْعِدُونَ) الإشارة من هذه الآية لأقوام تقع لهم فترة ، ودواعى الحق سبحانه ـ من أنفسهم ، ومن جميع الأقطار حتى كأنّ الأحجار من الشوارع واللّبن من الجدران ـ تناديه : لا تفعل يا عبد الله! وهو مصرّ فى ليّه ، مقيم على غيّه ، جاحد لما يعلم أنه هو الأحقّ والأولى من حاله ، فإذا قضى وطره واستوفى بهمته ، فلا محالة يمسك من إرسال عنانه ، ويقف عن ركضه فى ميدانه ، فلا يحصل إلا على أنفاس متصاعدة ، وحسرات متواترة ؛ فأورثه الحقّ ـ سبحانه ـ وحشة على وحشة. حتى إذا طال فى التحسّر مقامه تداركه الحق ـ سبحانه ـ بجميل لطفه ، وأقبل عليه بحسن عطفه ، وأنقذه من ضيق أسره ، ونقله إلى سعة عفوه وفضله ، وكثير من هؤلاء يصلون إلى محل الأكابر ثم يقفون بالله لله (......) (١) ويقومون بالله لله بلا انتظار تقريب ولا ملاحظة ترحيب.
قال تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) فأهل التحقيق والتوحيد يصلون بعد فتراتهم (٢) إلى القول بترك أنفسهم ، وغسل أيديهم منهم ، ورفع قلوبهم عنهم فيعيشون بالله لله ، بلا ملاحظة طمع وطلبة ، بل على عقيدة اليأس عن كل شىء. عليه أكّدوا العهد ، وبدّلوا اللحظ (٣) ، وتركوا كل نصيب وحظ ، وهذه صفة من أنزل عليه الأمنة.
فأمّا الطائفة التي أهمتهم أنفسهم ـ فبقوا فى وحشة نفوسهم ، ومن عاجل عقوبتهم سوء
__________________
(١) مشتبهة.
(٢) وردت (فطراتهم) بالطاء والأصوب أن تكون بالتاء لأن الفترة وقت مقاساة ومعاناة فهى تتلاءم مع (وتجرع حسراتهم).
(٣) اللحظ هنا معناها الملاحظة ، ملاحظة النفس أو ملاحظة العوض.