الإشارة من هذه الآية إلى أحوال من سقمت إرادتهم ، وضعفت نيّاتهم ، وقادهم الهوى ، وملكتهم الفترة.
قابلهم نصح الناصحين ، ودعوة المنى ، ووساوس الشياطين فركنوا إلى الغيبة ، وآثروا الهوى على التّقى فبقوا عنه ، ولم يتهنّوا بما آثروه عليه.
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦))
من تعوّد أن يتلهف على ماضيه وسالفه ، أو يتدبر فى مستقبله وآنفه ، فأقلّ عقوبة له ضيق قلبه فى تفرقة الهموم ، وامتحاء نعت الحياة (١) عن قلبه لغفلته وقالته ليت كذا ولعلّ كذا ، وثمرة الفكرة فى ليت ولعلّ ـ الوحشة والحسرة وضيق القلب والتفرقة.
قوله جلّ ذكره : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨))
بذل الروح فى الله خير من الحياة بغير الله ، والرجوع إلى الله خير لمن عرف الله من البقاء مع غير الله ، وما يؤثره العبد على الله فغير مبارك ، إن شئت : والدنيا ، وإن شئت : والعقبى.
قوله (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) : إذا كان المصير إلى الله طاب المسير
__________________
(١) حياة القلب عمارته بالله وقد وردت فى مطلع الإشارة التالية ، ولا يستبعد أنها (الحياء) فهى مقبولة أيضا.