ما يورده هنا قول القشيري فى (الم) التي افتتحت بها سورة البقرة لأنها كانت أول حروف مقطعة يقابلها أثناء عمله. يقول : «هذه الحروف المقطعة فى أوائل السور من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله عند قوم. ولكل كتاب سر ، وسرّ الله فى القرآن هذه الحروف المقطعة. وعند قوم أنها مفاتيح أسمائه ؛ فالألف من اسم «الله» واللام يدل على اسم «اللطيف» ، والميم يدل على اسم «المجيد» و «الملك».
وقيل أقسم الله بهذه الحروف لشرفها لأنها بسائط أسمائه وخطابه ، وقيل إنها أسماء السور ، وقيل الألف تدل على اسم «الله» واللام على اسم «جبريل» والميم تدل على اسم «محمد» صلىاللهعليهوسلم ؛ فهذا الكتاب نزل من الله على لسان جبريل إلى محمد (ص).
والألف من بين سائر الحروف انفردت عن أشكالها بأنها لا تتصل بحرف فى الخط ، وسائر الحروف يتصل بها إلا أحرف يسيرة ، فلينتبه العبد عند تأمل هذه الصفة لاحتياج الخلق بجملتهم إليه واستغنائه عن الجميع.
ويقال (١) يتذكر العبد المخلص من حالة الألف تقدّس الحق ـ سبحانه وتعالى ـ عن التخصص ؛ ذلك أن سائر الحروف لها محل من الحلق والشفة واللسان إلى غيرها من المخارج ، غير الألف فإنها هويته لا تضاف إلى محل.
ويقال الإشارة منها إلى انفراد العبد لله سبحانه ؛ فيكون كالألف لا يتصل بحرف ، ولا يزول عن حالة الاستقامة والانتصاب بين يديه.
ويقال يطالب العبد فى سره عند مخاطبته بالألف بانفراد القلب إلى الله تعالى ، وعند مخاطبته باللام بلين الجانب ، وعند سماع الميم بموافقة أمره فيما يكلفه. وقد اختص كل حرف بصفة مخصوصة ، وانفردت الألف باستواء القامة والتميز عن الاتصال بشىء من أضرابها من الحروف فجعل لها صدر الكتاب إشارة إلى أن من تجرّد عن الاتصال بالأمثال والأشغال حظى بالمرتبة العليا ، وفاز بالدرجة القصوي ، وصلح للتخاطب بالحروف المنفردة التي هى غير
__________________
(١) عند ما يقول القشيري «ويقال ...» فليس معنى ذلك دائما أن يورد بعدئذ رأيا لغيره فربما ـ وهذا هو الغالب ـ أنه يقصد إلى توضيح وجهة نظره من زوايا مختلفة.