والذكر طريق الحق ـ سبحانه ـ فما سلك المريدون طريقا أصحّ وأوضح من طريق الذكر ، وإن لم يكن فيه سوى قوله : «أنا جليس من ذكرنى» لكان ذلك كافيا.
والذاكرون على أقسام ، وذلك لتباين أحوالهم : فذكر يوجب قبض الذاكر لما يذكره من نقص سلف له ، أو قبح حصل منه ، فيمنعه خجله عن ذكره ، فذلك ذكر قبض.
وذكر يوجب بسط الذاكر لما يجد من لذائذ الذكر ثم من تقريب الحقّ إيّاه بجميل إقباله عليه.
وذاكر هو محو فى شهود مذكوره ؛ فالذكر يجرى على لسانه عادة ، وقلبه مصطلم فيما بدا له.
وذاكر هو محل الإجلال يأنف من ذكره ويستقذر وصفه (١) ، فكأنه لتصاغره عنه لا يريد أن يكون له فى الدنيا والآخرة (ثناء) (٢) ولا بقاء ، ولا كون ولا بهاء ، قال قائلهم :
ما إن ذكرتك إلا همّ يلعننى |
|
قلبى وروحى وسرى عند ذاكراكا |
حتى كأنّ رقيبا منك يهتف بي |
|
إياك ويحك والتذكار إياكا |
والذكر عنوان الولاية ، وبيان الوصلة ، وتحقيق الإرادة ، وعلامة صحة البداية ، ودلالة صفاء النهاية ، فليس وراء الذكر شىء ، وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ، ومنشأة عن الذكر.
قوله جل ذكره : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)
التفكر نعمة كل طالب ، وثمرته الوصال بشرط العلم ، فإذا سلم الذكر عن الشوائب
__________________
(١) هذا النوع من الذكر يلتقى بتعاليم أهل الملامة النيسابورية الذين لا ينظرون لأى عمل إلا من حيث رؤية التقصير فيه.
(٢) ربما كانت (فناء) وإن كان المعنى يتقبل كليهما.