ويقال يا من أنست (١) بنسيم قربى ، واستروحت إلى شهود وجهى ، واعتززت بجلال قدرى ـ فأنت أجلّ عبادى عندى.
قوله : (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) : التقوى جماع الطاعات ، وأوله ترك الشّرك وآخره اتقاء كل غير ، وأول الأغيار لك نفسك ، ومن اتّقى نفسه وقف مع الله بلا مقام ولا شهود حال ، و (وقف) لله ... لا لشهود حظّ فى الدنيا والعقبى.
قوله : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : وهو آدم عليهالسلام ، وإذا كنا مخلوقين منه وهو مخلوق باليد فنحن أيضا كذلك ، لمّا ظهرت مزية آدم عليهالسلام به على جميع المخلوقين والمخلوقات فكذلك وصفنا ، قال تعالى : (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).
ولفظ «النفس» للعموم والعموم يوجب الاستغراق.
قوله : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) : حكم الحقّ ـ سبحانه ـ بمساكنة الخلق مع الخلق لبقاء النسل ، ولردّ المثل إلى المثل فربط الشكل بالشكل.
قوله : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) : تعرّف إلى العقلاء على كمال القدرة بما ألاح من براهين الربوبية ودلالات الحكمة ؛ حيث خلق جميع هذا الخلق من نسل شخص واحد ، على اختلاف هيئتهم ، وتفاوت صورهم ، وتباين أخلاقهم ، وإن اثنين منهم لا يتشابهان ، فلكل وجه فى الصورة والخلق ، والهمة والحالة ، فسبحان من لا حدّ لمقدوراته ولا غاية لمعلوماته.
ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ) تكرير الأمر بالتقوى يدلّ على تأكيد حكمه.
وقوله : (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) : أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها ، فمن قطع الرحم قطع ، ومن وصلها وصل.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) : مطلعا شهيدا ، يعد عليك أنفاسك ، ويرى حواسك ، وهو متوّل خطراتك ، ومنشىء حركاتك وسكناتك. ومن علم أنه رقيب عليه فبالحرى أن يستحيى منه.
__________________
(١) لاحظ كيف يربط القشيري بين الناس (والأنس) بعد أن ربطها (بالإنس) فمدار الكلام كله على لفظة (الناس) التي وردت فى الآية الكريمة.