منها ، كذلك نراه يهتم اهتماما ملحوظا بالحث على التغلغل فى بواطنها ، ومعرفة جواهرها ، فهى ليست رسوما ظاهرية يؤديها البدن وحسب ولكنها ذات مقاصد بعيدة.
فاستقبال القبلة عند الصلاة له عند القشيري إشارة : (لتكن القبلة مقصود نفسك ، وسبحانه مقصود مشهود قلبك ؛ لا تعلّق قلبك بأحجار وآثار ، وأفرد قلبك لى) وعند قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) يقول : «إتمام الحج على لسان العلم القيام بأركانه وسننه وهيئته ، وإراقة الدماء التي تجب فيه ، وعلى لسان أهل الإشارة الحج هو القصد ، فقصد إلى بيت الحق وقصد إلى الحق ، فالأول حج العوام والثاني حج الخواص ، وكما أن الذي يحج بنفسه يحرم ويقف ثم يطوف بالبيت ويسعى ثم يحلق ، فكذلك من يحج بقلبه فإحرامه بعقد صحيح على قصد صحيح ، ثم يتجرد عن لباس مخالفاته وشهواته ثم باشتماله بثوبي صبره وفقره ، وإمساكه عن متابعة حظوظه من اتباع الهوى وإطلاق خواطر المنى ، وما فى هذا المعنى ، ثم الحاج أشعث أغبر تظهر عليه آثار الخشوع والخضوع والتلبية ، وأفضل الحج الشجّ والعجّ ؛ فالشج صب الدم والعج رفع الصوت بالتلبية فكذلك سفك دم النفس بسكاكين مخالفتها ، ورفع أصوات السر بدوام الاستغاثة وحسن الالتجاء والوقوف بساحات القربة باستكمال أوصاف الهيبة. وموقف النفوس عرفات وموقف القلوب الأسامى والصفات (أسماء الله الحسنى وصفاته) ، وطواف القلوب حول مشاهد العز ، والسعى بالأسرار بين صفى كشف الجلال ولطف الجمال ، ثم التحلل بقطع أسباب الرغائب والاختيار والمنى والمعارضات بكل وجه».
وتسمع القشيري عند : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ...) يقول : «الصوم على ضربين : صوم ظاهر وهو الإمساك عن المفطرات مصحوبا بالنية ، وصوم باطن وهو صون القلب عن الآفات ، ثم صون الروح عن المساكنات ، ثم صون السر عن الملاحظات ....
ونهاية الصوم إذا هجم الليل ، ولكن من أمسك عن الأغيار فصومه نهايته أن يشهد الحقّ. والصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته كما يقول عليهالسلام فالرؤية عائدة على الهلال ، وعند أهل التحقيق فالرؤية عائدة إلى الحق ؛ فصومهم لله حتى شهودهم ، وفطرهم لله ، وإقبالهم على الله ، والغالب عليهم الله».