ويقال على موجب ظاهر الآية إن الذين أقعدتهم الأعذار عن الاختيار فعسى أن يتفضّل الحقّ ـ سبحانه ـ عليهم بالعفو.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))
من هاجر فى الله عما سوى الله ، وصحح قصده إلى الله وجد فسحة فى عفوة الكرم ، ومقيلا فى ذرى القبول ، وحياة وسعة فى كنف القرب.
والمهاجر ـ فى الحقيقة ـ من هجر نفسه وهواه ، ولا يصحّ ذلك إلا بانسلاخه عن جميع مراداته ، ومن قصده ثم أدركه الأجل قبل وصوله فلا ينزل إلا بساحات وصله ، ولا يكون محطّ روحه إلا أوطان قربه.
قوله جل ذكره : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١))
القصر فى الصلاة سنّة فى السفر ، وكان فى ابتداء الشرع عند الخوف (١) ، فأقرّ ذلك مع زوال الخوف رفقا بالعباد ، فلما دخل الفرض القصر لأجل السفر عوضوا بإباحة النّفل فى السفر على الراحلة أينما توجهت به دابته من غير استقبال ، فكذلك الماشي ؛ ليعلم أنّ الإذن
__________________
(١) لأن فى مبدا الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة ، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام ، أو فى سرية خاصة ، وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله ... ويرى ابن عمر أن هناك فرقا بين صلاة السفر وصلاة الخوف ، وهو يحتج على قصر الصلاة فى السفر ويراه فى صلاة الخوف.
(تفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٥٤٦) لابن كثير.