قوله جل ذكره : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ).
وتحريفهم الكلم عن مواضعه نوع عصيان منهم ، وإنما حرّفوا لقساوة قلوبهم. وقسوة القلب عقوبة لهم من قبل الله تعالى على ما نقضوه من العهود ، ونقض العهد أعظم وزر يلم به العبد ، والعقوبة عليه أشد عقوبة يعاقب بها العبد ، وقسوة القلب عدم التوجع مما يمتحن به من الصدّ ، وعن قريب يمتحن بمحنة الرد بعد الصدّ (١) ، وذلك غاية الفراق ، ونهاية البعد.
ويقال قسوة القلب أولها فقد الصفوة ثم استيلاء الشهوة ثم جريان الهفوة ثم استحكام القسوة ، فإن لم يتفق إقلاع عن هذه الجملة فهو تمام الشقوة.
ومن تحريف الكلم ـ على بيان الإشارة ـ حمل الكلم على وجوه من التأويل مما تسوّل لصاحبه نفسه ، ولا تشهد له دلائل العلم ولا أصله (٢).
قوله جل ذكره : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ).
أوّل آفاتهم نسيانهم ، وما عصوا ربهم إلا بعد ما نسوا ، فالنسيان أول العصيان ، والنسيان حاصل من الخذلان.
قوله جل ذكره : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).
الخيانة أمرها شديد وهى من الكبار أبعد ، وعليهم أشد وأصعب. ومن تعوّد اتباع الشهوات ، وأشرب فى قلبه حبّ الخيانة فلا يزال يعيش بذلك الخلق إلى آخر عمره ، اللهم إلا أن يجود الحقّ ـ سبحانه ـ عليه بجميل اللطف.
قوله جل ذكره : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
قد يكون موجب العفو حقارة قدر المعفو عنه إذ ليس كل أحد أهلا للعقاب. وللصفح
__________________
(١) من هذا نفهم أن (الرد) عند القشيري أقرب وأشد وقعا من (الصد).
(٢) هذا أصل من أصول التأويل المقبول فى نظر القشيري ، وهو في الوقت نفسه يوضح صفة في التفسير الإشارى.