قوله جل ذكره : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)
من الفرق بين هذه الأمة وبين بنى إسرائيل أنه أباح لهم دخول الأرض المقدسة على الخصوص فقال : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ثم إنهم لم يدخلوها إلا بعد مدة ، وبعد جهد وشدة ، وقال فى شأن هذه الأمة (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١) فأولئك كتب لهم دخول الأرض كتابة تكليف ثم قصروا ، وهذه الأمة كتب لهم جميع الأرض على جهة التشريف ، ثم وصلوا إلى ما كتب لهم وما قصروا.
وقال : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ .....) وقال لهذه الأمة : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (٢) فهؤلاء ذلّل لهم وسهّل عليهم ، وأولئك صعّب عليهم الوصول إلى ما أمرهم فيما أنزل الله عليهم.
قوله جل ذكره : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ).
الارتداد على قسمين : عن الشريعة وإقامة العبودية وذلك يوجب عقوبة النفوس بالقتل ، وعن الإرادة وذلك يوجب الشّقوة ـ التي هى الفراق ـ على القلوب.
قوله جل ذكره : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢))
لاحظوا الأغيار بعين الحسبان فتوهموا أن شيئا من الحدثان ، وداخلتهم هواجم الرعب فأصروا على ترك الأمر. ومن طالع الأغيار بأنوار البصائر شاهدهم فى أسر التقدير قوالب متعرية عن إمكان الإيجاد ، ولم يقع على قلبه ظلّ التّوهم.
قوله جل ذكره : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ
__________________
(١) آية ١٠٥ سورة الأنبياء.
(٢) آية ١٥ سورة الملك.