قوله جل ذكره : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦))
مجاهرة الرد تعجّل العقوبة ؛ فإن من ماكر الحقيقة أبدت الحقيقة له من مكامن التقدير ما يلجئه إلى التطوّح فى أوطان الذّلّ.
ويقال حيّرهم فى مفاوزهم حتى عموا عن القصد ؛ فصاروا يبيتون حيث يصبحون ، بعد طول التعب وإدامة السير ، وكذلك من حيّره الله فى مفاوز القلب يتقلب ليلا ونهارا فى مطارح الظنون ثم لا يحصل إلا على مناهل الحيرة ، فيحطون بحيث يرحلون عنها ، فلا وجه للرأى الصائب يلوح لهم ، ولا خلاص من بعده للتجويز يساعدهم ، والذي التجأ إلى شهود الصمدية استراح عن نقلة فكره ، ووقع فى روح الاستبصار بعد أتعاب التوهم.
قوله جل ذكره : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ)
كانت الدنيا بحذافيرها فى أيديهما فحسد أحدهما صاحبه ، فلم يصبر حتى أسرع فى شىء بإتلافه ، وحين لم يقبل قربانه اشتد حسده على صاحبه ، ورأى ذلك منه فهدّده بالقتل.
فأجابه بنطق التوحيد.
قوله جل ذكره : (قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
يعنى إنما يتقبّل القربان ممّن (١) طالع فى القربان مساعدة القدرة ، وألقى توهّم كونه باستحقاقه واستيجابه.
قوله جل ذكره : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨))
__________________
(١) وردت (من) وهى خطأ فى النسخ.