ثم قال تعالى فى صفتهم : (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي يجاهدون بنفوسهم من حيث استدامة الطاعة ، ويجاهدون بقلوبهم بقطع المنى والمطالبات ، ويجاهدون بأرواحهم بحذف العلاقات ، ويجاهدون بأسرارهم بالاستقامة على الشهود فى دوام الأوقات.
ثم قال : (لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) أي لا يلاحظون نصح حميم ، ولا يركنون إلى استقلال حكم ، ولا يجنحون إلى حظ ونصيب ، ولا يزيغون عن سنن الوفاء بحال.
ثم بيّن ـ سبحانه ـ أن جميع ذلك إليه لا منهم فقال : و (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) متفضّل عليم بمن يخصّ بذلك من عبيده.
قوله جل ذكره : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥))
الولي أي الناصر ، ولا موالاة بين المؤمنين وبين أعداء الحق ـ سبحانه ـ فأعداء الحقّ هم أعداء الدّين.
و (إِنَّما) حرف يقتضى أن ما عداه بخلافه ، وأعدى عدوّك نفسك ـ كما فى الخبر ـ ومن عادى نفسه لم يخرج بالمخاصمة عنها مع الخلق وبالمعارضة فيها مع الحق (١).
قوله جل ذكره : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦))
الفائزون على حظوظهم الذين هم خصم للحقّ على أنفسهم لا خصم لأنفسهم على مولاهم ، والغلبة بالحجّة والبرهان دون اليد.
ويقال من قام لله بصدق انخنس دونه كلّ مبطل. ويقال إذا طلعت أنوار الحق أدبر ليل أهل الباطل.
__________________
(١) أي إن من خاصم نفسه لم تقم بينه وبين الناس ولا بينه وبين الحق خصومة من أجل نفسه فقد ، انتفت حظوظها بالكلية وأسلمها لربه بلا معارضة.