قوله جل ذكره : الْحَمْدُ لِلَّهِ
حقيقة الحمد الثناء على المحمود ، بذكر نعوته الجليلة وأفعاله الجميلة ، واللام هاهنا للجنس ، ومقتضاها الاستغراق ؛ فجميع المحامد لله سبحانه إمّا وصفا وإمّا خلقا ، فله الحمد لظهور سلطانه ، وله الشكر لوفور إحسانه. والحمد لله لاستحقاقه لجلاله وجماله ، والشكر لله لجزيل نواله وعزيز أفضاله ، فحمده سبحانه له هو من صفات كماله وحوله ، وحمد الخلق له على إنعامه وطوله ، وجلاله وجماله استحقاقه لصفات العلو ، واستيجابه لنعوت العز والسمو ، فله الوجود (قدرة) (١) القديم ، وله الجود الكريم ، وله الثبوت الأحدى ، والكون الصمدى ، والبقاء الأزلى ، والبهاء الأبدى ، والثناء الديمومى ، وله السمع والبصر ، والقضاء والقدر ، والكلام والقول ، والعزة والطول ، والرحمة والجود ، والعين والوجه والجمال ، والقدرة والجلال ، وهو الواحد المتعال ، كبرياؤه رداؤه ، وعلاؤه سناؤه ، ومجده عزه ، وكونه ذاته ، وأزله أبده ، وقدمه سرمده ، وحقه يقينه ، وثبوته عينه ، ودوامه بقاؤه ، وقدره قضاؤه ، وجلاله جماله ، ونهيه أمره ، وغضبه رحمته ، وإرادته مشيئته ، وهو الملك بجبروته ، والأحد فى ملكوته. تبارك الله سبحانه!! فسبحانه ما أعظم شأنه! [فصل] علم الحق سبحانه وتعالى شدة إرادة أوليائه بحمده وثنائه ، وعجزهم عن القيام بحق مدحه على مقتضى عزه وسنائه فأخبرهم أنه حمد نفسه بما افتتح به خطابه بقوله : «الحمد لله» فانتعشوا بعد الذّلة ، وعاشوا بعد الخمود ، واستقلت أسرارهم بكمال التعزز حيث سمعوا ثناء الحق عن الحق بخطاب الحق ، فنطقوا ببيان الرمز على قضية الأشكال. وقالوا :
ولوجهها من وجهها قمر |
|
ولعينها من عينها كحل |
هذا خطيب الأولين والآخرين ، سيد الفصحاء ، وإمام البلغاء ، لمّا سمع حمده لنفسه ، ومدحه سبحانه لحقّه ، علم النبي أن تقاصر اللسان أليق به فى هذه الحالة فقال : «لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك».
داوود لو سمعت أذناه قالتها |
|
لما ترنّم بالألحان داوود |
غنت سعاد بصوتها فتخاذلت |
|
ألحان داوود من الخجل |
__________________
(١) هذه كلمة زائدة يمكن الاستغناء عنها ، ويرجح ذلك نظم الأسلوب وسياق المعنى ، أو ربما كانت (قدمه).