قصودنا إليك عن دنس الآثار ، ورقّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جمع ساحات القرب والوصال.
[فصل] حل بيننا وبين مساكنة (١) الأمثال والأشكال ، بما تلاطفنا به من وجود الوصال ، وتكاشفنا به من شهود الجلال والجمال.
[فصل] أرشدنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات ، ويقع على وجه التوحيد غبار الظنون وحسبان الإعلال.
«اهدنا الصراط المستقيم» أي : أزل عنّا ظلمات أحوالنا لنستضىء (٢) بأنوار قدسك عن التفيؤ بظلال طلبنا ، وارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك ، فنجدك بك.
[فصل] اهدنا الصراط المستقيم حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان ووساوسه ، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها ، أو يصدنا عن الوصول تعريج فى أوطان التقليد ، أو يحول بيننا وبين الاستبصار ركون لى معتاد من التلقين ، وتستهوينا آفة من نشو أو هوادة ، وظن أو عادة ، وكلل أو ضعف إرادة ، وطمع مال أو استزادة.
[فصل] الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل ، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل. الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد ، ونبهت عليه شواهد التحقيق. الصراط المستقيم ما درج عليه سلف الأمة ، ونطقت بصوابه دلائل العبرة. الصراط المستقيم ما باين الحظوظ سالكه ، وفارق (٣) الحقوق قاصده. الصراط المستقيم ما يفضى بسالكه إلى ساحة التوحيد ، ويشهد صاحبه أثر العناية والجود ، لئلا يظنّه موجب (ببذل) (٤) المجهود.
__________________
(١) وردت (ساكنة) والأصح بالميم فقد جاءت كذلك فى مواضع كثيرة أخرى.
(٢) وردت خطأ (لنصتضىء).
(٣) وردت (وفارن) فى ص ، والأصح أن تكون بالقاف ؛ فالحظوط للعبد والحقوق للحق.
(٤) وردت (بذل) بدون باء والأقوى فى رأينا أن تكون بالباء وأن نقرأ موجب بفتح الجيم أي مستحق ، وبذلك يتضح موقف القشيري من قضية هامة وهى ؛ هل يجب على الله أن يثيب المطيع؟ ولا يرى القشيري هذا الوجوب لأنه يربط كل عمل للعبد بالعناية الإلهية لا بالمجهود الإنسانى. وقد صدق الرسول (ص) حين قال : «ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدنى الله برحمته».