إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً)
الأمر بالدعاء إذن ـ فى التسلّى ـ لأرباب المحنة ، فإنهم إلى أن يصلوا إلى كشف المحنة ووجود المأمول استروحوا إلى روح المناجاة فى حال الدعاء ؛ والدعاء نزهة لأرباب الحوائج ، وراحة. لأصحاب المطالبات ، ومعجل من الأنس بما (....) (١) إلى القلب عاجل التقريب. وما أخلص عبد فى دعائه إلا روّح ـ سبحانه ـ فى الوقت قلبه.
ويقال علّمهم آداب الدعاء حيث قال : (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وهذا أدب الدعاء ؛ أن يدعوا بوصف الافتقار والانكسار ونشر الاضطرار. ومن غاية ما تقرر لديك نعت كرمه بك أنه جعل إمساكك عن دعائه ـ الذي لا بد منه ـ اعتداء منك.
قوله جل ذكره : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦))
من الإفساد بعد الإصلاح إحمال النفس عن المجاهدات بخلع عذارها حتى تتبع هواها بعد ما كبحت لجامها مدة عن العدو فى ميدان الخلاف ، ومن ذلك إرسال القلب فى أودية المنى بعد إمساكه على أوصاف الإرادة ، ومن ذلك الرجوع إلى الحظوظ بعد القيام بالحقوق ، ومن ذلك استشعار محبة المخلوق بعد تأكيد العقد معه بألا تحب سواه ، ومن ذلك الجنوح إلى تتبع الرّخص فى طريق الطلب بعد حمل النّفس على ملازمة الأولى والأشق ، ومن ذلك الانحطاط بحظّ إلى طلب مقام منه أو إكرام ، بعد القيام معه بترك كل نصيب
وفى الجملة : الرجوع من الأعلى إلى الأدنى إفساد فى الأرض بعد الإصلاح.
قوله جل ذكره : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
يقال المحسنين عملا والمحسنين أملا ، فالأول العابدون والثاني العاصون (٢)
ويقال المحسن من كان حاضرا بقلبه غير لاه عن ربّه ولا ناسيا لحقّه.
ويقال المحسن القائم بما يلزم من الحقوق.
__________________
(١) مشتبهة.
(٢) تأمل كيف يفسح الصوفية صدورهم ويفتحون أبواب الأمل أمام العصاة