فالجزء يحاكى أصله ، والأسرّة تدل على السريرة ، فمن صفا باطن قلبه زكا ظاهر فعله ، ومن كان بالعكس فحاله بالضد.
قوله جل ذكره : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩))
بلّغ الرسالة فلم ينجع فيهم ما أظهر من الآلاء ، لأنّ محزوم القسمة لا ينفعه مجهود الحيلة.
قوله جل ذكره : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١))
قوله (لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) : نسبوا نوحا ـ عليهالسلام ـ إلى الضلالة ، فتولّى إجابتهم بنفسه فقال (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ) ، ونبينا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نسب إليه فتولّى الحق ـ سبحانه ـ الردّ عنه فقال : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) (١) فشتّان بين من دافع عن نفسه ، وبين من دافع عنه ونفى عنه ربّه (٢)!
قوله جل ذكره : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢))
إنى أعلم أنّى وإن بالغت فى تبليغ الرسالة فمن سبقت له القسمة بالشقاوة لا ينفعه نصحى ، ولا يؤثّر فيه قولى ، فمن أسقطته القسمة لم تنعشه النصيحة.
قوله جل ذكره : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ
__________________
(١) آية ٢ سورة النجم.
(٢) من عادة القشيري أن يلتمس نوعا من المقارنة بين المصطفى صلوات الله عليه وبين سائر الأنبياء عليهمالسلام ليظهر علو مقامه ورفعة مرتبته بينهم.