جعل الله الخلق بعضهم خلفا عن بعض ، فلا يفنى فوجا منهم من جنس إلا أقام فوجا منهم من ذلك الجنس. فأهل الغفلة إذا انقرضوا خلف عنهم قوم ، وأهل الوصلة إذا درجوا خلف عنهم قوم ، ولا ينبغى للعبد أن يسمو طرف (١) تأميله إلى محل الأكابر فإن ذلك المقام مشغول بأهله ، فما لم تنته نوبة أولئك لا تنتهى النوبة إلى هؤلاء.
قوله جل ذكره : (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً).
كما زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق ، وكما أوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود إلى المبانى أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع إلى المعاني.
قوله جل ذكره : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
النّعماء عام ، والآلاء خاص ، فتلك تتضمن ترويح الظواهر ، وهذه تتضمن التلويح فى السرائر ، تلك بالترويح بوجود المبار ، وهذه بالتلويح بشهود الأسرار.
قوله جل ذكره : (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠))
طاحوا فى أودية التفرقة فلم يجدوا قرارا فى ساحات التوحيد ، فشقّ عليهم الإعراض عن الأغيار ، وفى معناه قال قائلهم :
أراك بقية من قوم موسى |
|
فهم لا يبصرون على طعام |
ويقال شخص لا يخرجه من غش التفرقة ، وشخص لا يحيد لحظة عن سنن التوحيد [فهو لا يعبد إلا واحدا ، وكما لا يعبد إلا واحدا لا يشهد إلا واحدا ، قال قائلهم :
لا يهتدى قلبى إلى غيركم |
|
لأنه سدّ عليه الطريق |
قوله جل ذكره : (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ
__________________
(١) وردت (طرق) بالقاف وهى خطأ فى النسخ.