ويقال شتّان بين أمة وأمة! أمة خرج نبيهم عليهالسلام من بينهم أربعين يوما فعبدوا العجل ، وأمة خرج نبيّهم ـ عليهالسلام ـ من بينهم وأتى نيف وأربعمائة سنة فمن ذكر بين أيديهم أن الشموس والأقمار أو شيئا من الرسوم والأطلال تستحق الإلهية أحرقوه بهممهم
ويقال لا فصل بين الجسم والجسد ، فكما لا يصلح أن يكون المعبود جسما لا يصلح أن يكون متصفا بما فى معناه ، ولا أن يكون له صوت فإن حقيقة الأصوات مصاكّة الأجرام الصلبة ، والتوحيد الأزلى ينافى هذه الجملة.
ويقال أجهل بقوم آمنوا بأن يكون مصنوعهم معبودهم! ولو لا قهر الربوبية وأنه تعالى يفعل ما يشاء ـ فأىّ عقل يقرّ مثل هذا التلبيس؟!
قوله جل ذكره : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ).
جعل من استحقاقه (١) نعوت الإلهية صحة الخطاب وأن تكون منه الهداية ، وهذا يدل على استحقاق الحق بالنعوت (٢) بأنه متكلّم فى حقائق آزاله ، وأنه متفرّد بهداية العبد لا هادى سواه. وفيه إشارة إلى مخاطبة الحق ـ سبحانه ـ وتكليمه مع العبد ، وإنّ الملوك إذا جلّت رتبتهم استنكفوا أن يخاطبوا أحدا بلسانهم حتى قال قائلهم :
وما عجب تناسى ذكر عبد |
|
على المولى إذا كثر العبيد |
وبخلاف هذا أجرى الحقّ ـ سبحانه ـ سنّته مع عباده المؤمنين ، أما الأعداء فيقول لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٣) وأمّا المؤمنون فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما منكم إلا يكلمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان» (٤) ، وأنشدوا فى معناه.
وما تزدهينا الكبرياء عليهم |
|
إذا كلّمونا أن نكلمهم مردّا |
__________________
(١) وردت (استحقاقهم) وهى خطأ فى النسخ.
(٢) يشير القشيري بذلك إلى معارضة المعتزلة الذين ينفون الصفات الإلهية منعا للتعدد ، واقتضاء حامل ومحمول.
(٣) آية ١٠٨ سورة المؤمنون.
(٤) في رواية مسلم عن عدى بن حاتم قال رسول الله (ص) :
«ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان) ص ٧٠٣ ح ٢ ط الحلبي.