وثانيهما التأويلات النجمية» لنجم الدين داية المتوفى سنة ٦٥٤ ه وقد مات قبل أن يكمله فأكمله علاء الدولة السمناني المتوفى ٧٣٦ ه (كشف الظنون ج ١ ص ٢٣٨).
* * *
لأجل هذا كله نحتفل «بلطائف الإشارات» فأغلب ما سقناه من تفاسير صوفية لا يسلم من النقد ، ولا يصحّ أن يكون نموذجا صالحا لتمثيل الصوفية والتصوف بأمانة وصدق.
«لطائف الإشارات» سفر نفيس كتبه صاحبه محاولا أن يوفّق بين علوم الحقيقة وعلوم الشريعة ، وقاصدا إلى هدف بعيد أنه لا تعارض بين هذه وتلك ، وأن أي كلام يناقض ذلك خروج على أىّ منهما وعلى كليهما (فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فغير مقبول ، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصول ، الشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده) الرسالة القشيرية ص ٤٦.
وهذا ما حدث فعلا .. فأنت خلال قراءة «اللطائف» تشعر أن كل صغيرة وكبيرة فى علوم الصوفية لها أصل من القرآن ، ويتجلّى ذلك بصفة خاصة حيثما ورد المصطلح الصوفي صريحا فى النص القرآنى كالذكر والتوكل والرضا ، والولي والولاية والحق والظاهر والباطن ، والقبض والبسط ... إلخ فلا تملك إلا أن تحكم أن الصوفية قد استمدوا أصولهم وفروعهم من كتاب الله الكريم ، وأن علومهم ليست غريبة ولا مستوردة كما يحلو لبعض الباحثين حين يتهمون التصوف الإسلامى بالتأثر بالتيارات الأجنبية : اليونانية والفارسية والهندية والمسيحية ونحوها.
كذلك تلحظ عبقرية القشيري إزاء اللفظة أو الآية حيثما لا يكون فيها اصطلاح صوفى ، فإنه يستخرج لك من آيات الطلاق إشارات فى الصحبة والصاحب ، ومن علاقة النبي بأصحابه إشارات عن الشيخ ومريديه ، ومن مظاهر الطبيعة كالشمس والقمر والمطر والجبال إشارات رائعة تتصل اتصالا وثيقا بالرياضيات والمجاهدات أو بالمواصلات والمكشوفات.
وربما قيل إن صنيع القشيري مسبوق وملحوق ، ولكن ها نحن منذ قليل أوضحنا مقدار ما أصاب التفاسير الصوفية من سهام النقد ، وبقي أن نتعرف الأسباب التي جعلتنا نحكم بأن لطائف الإشارات ، خير مناضل عن التفسير الصوفي بعامة ، بل بأنه من أفضل الأعمال