ويقال لمّا لاحظوا القرآن بعين الاستصغار حرموا بركات الفهم فعدوه من جملة أساطير الأولين ، وكذلك من لا يراعى حرمة الأولياء ، يعاقب بأن تستر عليه أحوالهم ، فيظنهم مثله فى استحقاق مثالبه ، فيطلق فيهم لسان الوقيعة ، وهو بذلك أحقّ ، كما قيل : «رمتني بدائها وانسلّت».
قوله جل ذكره : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢))
دلّ سؤالهم العذاب على تصميم عقدهم على تكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، واستيقنوا عند أنفسهم بأنه لا يستجاب فيهم ما يدعونه على أنفسهم.
وفى هذا أظهر دليل على أن سكون النّفس إلى الشيء ليس بعلم ؛ لأنه كما يوجد مع العلم يوجد مع الجهل.
قوله جل ذكره : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)
ما كان الله معذبهم وأنت فيهم ، وما كان الله ليعذّب أسلافهم وأنت فى أصلابهم ، وليس يعذبهم اليوم وأنت فيما بينهم إجلالا لقدرك ، وإكراما لمحلّك ، وإذا خرجت من بينهم فلا يعذبهم وفيهم خدمك الذين يستغفرون ، فالآية تدل على تشريف قدر الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم.
ويقال للجوار حرمة ، فجار الكرام فى ظل إنعامهم ؛ فالكفار إن لم ينعموا (١) بقرب الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ منهم فقد اندفع العذاب ـ بمجاورته ـ عنهم :
وأحبها وأحبّ منزلها الذي |
|
نزلت به وأحبّ أهل المنزل |
__________________
(١) وردت (يمنعوا) والملائم للمعنى (ينعموا) لترتبط بالإنعام الذي جاء ذكره فى الجملة السابقة ، ويؤكد اختيارنا أيضا وجود (الباء) فى (بقرب الرسول) إذ يقال (نعم بكذا) ولا يقال (منع بكذا).