ويقال إذا كان كون الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى الكفار يمنع العذاب عنهم فكون المعرفة فى القلوب أولى بدفع العذاب عنها.
ويقال إن العذاب ـ وإن تأخّر عنهم مدة مقامهم فى الدنيا مادام هو عليهالسلام فيهم ـ فلا محالة يصيبهم العذاب فى الآخرة ، إذ الاعتبار بالعواقب لا بالأوقات والطوارق.
قوله جل ذكره : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
علم أنه ـ عليهالسلام ـ لا يتأبّد مكثه فى أمته إذ قال له : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) (١) ، فقال إنى لا أضيع أمّته وإن قضى فيهم مدّته ، فما دامت ألسنتهم بالاستغفار متطلّعة فصنوف العذاب عنهم مرتفعة.
قوله جل ذكره : (وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ)
نفى العذاب عنهم فى آية ، وأثبته فى آية ، فالمنفىّ فى الدنيا والمثبت فى الآخرة.
ثم بيّن إيصال العذاب إليهم فى الآخرة بقوله تعالى : (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) دليل الخطاب أن إعانة المسلمين على ما فيه قيام بحق الدين يوجب استحقاق القربة والثواب وفى الآية دليل على أنه لا يعذّب أولياءه بقوله : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) فاذا عذّب من لم يكونوا أولياءه دلّ على أنه لا يعذّب من كان من جملة أوليائه. والمؤمنون كلّهم أولياء الله لأنه قال : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢). والمؤمن ـ وإن عذّب بمقدار جرمه زمانا فإنه لا يخلّد فى دار العقوبة ، فما يقاسون بالإضافة إلى تأبيد الخلاص جلل ، وقيل :
إذا سلم العهد الذي كان بيننا |
|
فودّى وإن شطّ المزار سليم |
قوله جل ذكره : (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
__________________
(١) آية ٣٤ سورة الأنبياء.
(٢) آية ٢٥٧ سورة البقرة.