إذا أنعم الحقّ ـ سبحانه ـ على قوم نعمة وأراد إمهالهم أكرمهم بتوفيق الشكر ، فإذا شكروا نعمته فبقدر الشكر دامت فيهم.
وإذا أراد ـ سبحانه ـ إزالة نعمة عن عبد أذلّة بخذلان الكفر ، فإذا حال (١) عن طريق الشكر عرّض النّعمة للزوال. فما دام العبد يشكر النعمة مقيما كان الحقّ فى إنعامه عليه مديما ، فإذا قابل النعمة بالكفران انتثر سلك نظامه ، فبقدر ما يزيد فى إصراره يزول الأمر عن قراره.
قوله جل ذكره : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤))
تنوّعت من آل فرعون الذنوب فنوّع لهم العقوبة ، وكذلك هؤلاء : عوقبوا بأنواع من العقوبة لمّا ارتكبوا أنواعا من الزّلة.
وفائدة تكرار ذكرهم تأكيد فى التعريف أنه لا يهمل المكلّف أصلا ، وإن أهمله حينا ودهرا.
قوله جل ذكره : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥))
(عِنْدَ اللهِ) : فى سابق علمه وصادق حكمه ؛ فإذا كانوا فى علمه شرّ الخلائق فكيف يسعدون باختلاف السعايات وصنوف الطوارق؟
هيهات أن تتبدل الحقائق! وإذا قال : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ وكلامه صدق وقوله حقّ ـ فلم يبق للرجاء فيهم مساغ ، ولا ينجع فيهم نصح وإبلاغ.
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦))
__________________
(١) (حال) اى تغير مقبولة فى المعنى ، ولكن لا نستبعد أنها (حاد) فى الأصل.