لبّس على بصائر الأجانب حتى لم يشهدوا حبيبه صلوات الله عليه ، فتاهوا فى أودية الظنون لما فقدوا نور العناية ، فلم يزدد الرسول عليهم إتيانا بالآيات ، وإظهارا من المعجزات إلا ازدادوا ريبا على ريب وشكّا على شك ، وهكذا سبيل من أعرض عن الحق سبحانه ، لا يزيده ضياء الحجج إلا عمى عن الحقيقة ؛ قال الله تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ، وليبلغ عليهم فى إلزام الحجة عرّفهم عجزهم عن معارضة ما آتاهم من معجزة القرآن الذي قهر الأنام من أولهم إلى آخرهم ، وقدّر عليهم أنهم لو تظاهروا فيما بينهم ، واعتضدوا بأشكالهم ، واستفرغوا كنه طاقتهم واحتيالهم لم يقدروا على الإتيان بسورة مثل سورة القرآن. ثم قال فإن لم تفعلوا ـ وأخبر أنهم قطعا لا يقدرون على ذلك ولا يفعلون فقال : «ولن تفعلوا» ، فكان كما قال ـ فانظروا لأنفسكم ، واحذروا الشّرك الذي يوجب لكم عقوبة النار التي من (سطوتها) (١) بحيث وقودها الناس والحجارة ، فإذا كانت تلك النار التي لا تثبت لها الحجارة مع صلابتها () (٢) فكيف يطيقها الناس مع ضعفهم ، وحين أشرفت (٣) قلوب المؤمنين على غاية الإشفاق من سماع ذكر النار تداركها بحكم التثبيت فقال : «أعدّت للكافرين ، ففى ذلك بشارة للمؤمنين. وهذه سنّة من الحق سبحانه : إذا خوّف أعداءه (٤) بشّر مع ذلك أولياءه.
وكما أنّ كيد الكافرين يضمحل فى مقابلة معجزات الرسل عليهمالسلام فكذلك دعاوى الملبسين تتلاشى عند ظهور أنوار الصديقين ، وأمارة المبطل فى دعواه رجوع الزجر منه إلى القلوب ، وعلامة الصادق فى معناه وقوع القهر (٥) منه على القلوب. وعزيز من فصلّ وميّز بين رجوع الزجر وبين وقوع القهر.
قوله جل ذكره : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)
__________________
(١) وردت بالصاد وعند ذلك يكون الخطأ من الناسخ ، وربما كانت فى الأصل (صفتها) ، وقد تخيرنا (سطوتها) لأنها أقرب إلى الشكل الوارد ولتلاؤمها مع المعنى والسياق.
(٢) هنا كلمة زائدة وضع الناسخ عليها علامة مميزة.
(٣) وردت بالقاف وهى خطأ فى النسخ.
(٤) وردت هكذا (اعداويه) وهى خطأ فى النسخ.
(٥) وردت (التهم) ولكن ما جاء بعدها يثبت خطأ الناسخ ، فضلا عن أنها غير ذات معنى هنا.