لأنه فصل بين اللام والفعل بالجار والمجرور ، فلما فصل بينهما لم يأت بالنون لأن النون إنما تدخل مع هذه اللام لئلا تشتبه بلام الابتداء ، وههنا قد زال الاشتباه بدخول اللام على الجار والمجرور وهما فضلة ، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلة. ونحوه ، (فلسوف يعلمون) لم تدخل النون لأن لام الابتداء لا تدخل على سوف ، والفعل فى نحو ، لئن جئتنى لأفعلن ، ليس جوابا للشرط وإنما هو جواب قسم مقدر وتقديره ، لئن جئتنى والله لأفعلنّ ، واللام فى (لئن) عوض عن ذلك القسم ، وقد تحذف هذه اللام وهى مرادة. قال الله تعالى :
(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ)(١)
وإنما وجب أن تكون مرادة لأنك لو لم تقدر اللام لم تأت بما يكون عوضا عن القسم ، وإذا لم يوجد قسم ولا ما يقوم مقامه لم يجر ليمسّنّ ، لأنه لا يجوز أن يؤتى بجواب قسم غير ملفوظ به ولا مقدر.
قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (١٥٩).
ما ، زائدة مؤكدة ، والتقدير ، فبرحمة من الله.
وقول من قال : إن (ما) ليست زائدة وإنما هى نكرة فى موضع جر. ورحمة ، بدل من (ما) وتقديره ، فبشىء رحمة فليس بشىء وهو خلاف قول الأكثرين ، لأن زيادة (ما) كثير فى كلامهم ، والقرآن نزل بلغتهم.
وبرحمة ، فى موضع نصب لأن التقدير ، لنت لهم برحمة من الله. فقدم الباء على (لنت) ، والأصل فى لنت لينت ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وحذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها لاتصالها بضمير المخاطب (٢) ، وكسرت اللام ليدلوا بذلك على أنها من ذوات الياء.
__________________
(١) سورة المائدة ٧٣.
(٢) (المتكلم) فى أ ، ب.