وتؤاخى بين إنسان الشرق والغرب ، وتستأصل النّعرات الجنسية والطائفية ، وتنظم من الكل جبهة متحدة على صراط الحق والخبير ، (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
وهل توجد هذه المزايا مجتمعة إلا في الإسلام؟ وهل يوجد الإسلام بغير القرآن؟ وهل يفهم القرآن إلا «بعلوم القرآن»؟ وهو موضوع كتابنا الآن! (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ* قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
محاولاتى :
ولقد حاولت في هذا التأليف أمورا خمسة :
أولها ـ أن تكون كتابتى من النّسق الأزهرى الجديد في تفكيره وفي تعبيره ، بحيث يتيسر فهمه وهضمه للقراء من أبناء هذا الجيل ، سواء منهم المحقّق الأزهرىّ والمثقّف المدنى ، فإن لكل زمان لغة ولسانا ، ومنطقا وبرهانا. (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ).
على أننى في هذه المحاولة لا أدّعى أننى أنشأت وابتكرت ، ولا أحدثت وابتدعت.
بل قصاراى أننى فهمت وأحسنت العرض إذا كنت قد وفّقت. أما المادة نفسها فالفضل فيها لعلماء هذه الأمة الذين أبلوا في جمعها بلاء حسنا ، ولم يخرجوا من الدنيا إلا بعد أن شقّوا لنا الطريق ، وقرّبوا البعيد ، وجمعوا الشتيت ، وتركوا من خلفهم ثروة علمية هائلة ، وكنوزا ثقافية زاخرة ، لا يوجد مثلها ولا قريب منها في أيّة أمة من أمم الأرض إلى يوم الناس هذا! وأعتقد أننا لو أحسنّا القيام على هذه التركة لكان لنا شأن غير هذا الشأن ، ومكانة وسلطان لا يدانيهما مكانة ولا سلطان!