قلت : المقصود من ذلك الامتنان عليهم [وتذكيرهم](١) بنعمة الله عليهم بما به قوام معيشتهم ، ولا شك أن بهيمة الأنعام أصل في ذلك ، وما عداها من الدجاج والأوز والبط وغير ذلك في حكم التابع ، لشذوذ الانتفاع به.
قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) أي تجمل وزينة (حِينَ تُرِيحُونَ) أي : تردونها إلى مراحها ، وهو المكان الذي تأوي إليه (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) أي : ترسلونها إلى مراعيها. يقال : سرح القوم إبلهم سرحا (٢) ، وإنما قدّم الإراحة على السّرح ؛ لأن الجمال والزينة فيها أظهر إذا أقبلت بطانا حفّلا (٣) ممتدات الأسنام تتناوح بالثغاء [وتتجاوب](٤) بالرغاء.
(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) يريد الحمولة من الإبل (إِلى) كل بعيد (بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) لولا الإبل ، بأنفسكم فضلا عن الأثقال وحملها على ظهوركم ، (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) قرأت لأبي جعفر : «إلا بشق» بفتح الشين ، وهما لغتان في معنى المشقة (٥).
وقيل : الشّق ـ بفتح الشين ـ : مصدر شقّ عليه الأمر شقا ، والشّق ـ بالكسر ـ : النّصف (٦).
__________________
(١) في الأصل : وتذكرهم.
(٢) انظر : اللسان (مادة : سرح).
(٣) حفل اللّبن في الضّرع : اجتمع. وضرع حافل ، أي : ممتلئ لبنا ، والجمع : حفّل (اللسان ، مادة : حفل) والمقصود : رجعت ضروعها ملأى.
(٤) في الأصل : وتتجواب.
(٥) النشر في القراءات العشر (٢ / ٣٠٢) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٧٧).
(٦) انظر : (اللسان ، مادة : شقق).