فإن قيل : كيف يصح هذا القول والله تعالى يقول : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) وإيمان من آمن يوم فتح مكة نافع لهم؟
قلت : المعنى : لا ينفع الذين إيمانهم في حال القتل ومعاينة سلطان الموت ، كما لم ينفع فرعون إيمانه حين أدركه الغرق.
وقال ابن عباس : المعنى : لا ينفع من قتل من الكفار يومئذ إيمانهم بعد الموت (١).
وقيل : كان النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من أغلق بابه فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» (٢) ، وكان خالد بن الوليد دخل من غير الطريق التي دخل فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلقيه جماعة منهم سهيل بن عمرو فقاتلوه ، فصاح خالد في أصحابه ، فقتل منهم أربعة وعشرين رجلا من قريش ، وأربعة من هذيل وانهزموا ، وجعل يقتل من لقي ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يرسل إليه : ارفع السيف ، والقدرة الإلهية توقع في سمعه ، ضع السيف (٣).
إذا ثبت ذلك فنقول : يقال : آمنت فلانا إيمانا وأمانا.
فالمعنى : لا ينفعهم إيمانهم الذي جعل لهم ، ولا يدفع عنهم العذاب النازل بهم.
(وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) لا يمهلون لمعذرة أو توبة.
__________________
(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٥٦).
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٤٠٧ ح ١٧٨٠).
(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٦ / ٣٤٥).