وترغيبا فى العلم ، وحدبا على أهله ، أقاموا الخوانق والرباطات ، وحبسوا عليهما المال والضياع وقفا على طلبة العلم ، وترفيها عنهم.
وغصّت المدارس بخزائن الكتب ، ونفائس المصنّفات ، وذخرت البلاد بالأعيان من العلماء ، والأعلام من الفضلاء ، الفقهاء والمؤرخين وأصحاب المعاجم ، ومؤلفى الموسوعات ، كالنويرى ، والسيوطى ، والسخاوى ، والمقريزي ...
وكان لمعظم العلماء فى هذا العصر ميسم خاص ؛ فالمؤرخ فقيه ، والفقيه مؤرخ ، وهما قد أخذا بنصيب من اللغة أو الحديث أو التفسير.
ولم يثنهم عن طلب العلم ما كان يحيط بعصرهم من مؤثرات الظلم ، أو نزاع الأمراء والوزراء ، فصدر عنهم الجليل من المصنفات والكتب الجامعية لمختلف العلم ، مثل صبح الأعشى ، ونهاية الأرب ، ومسالك الأبصار ، ولسان العرب ، وأمثالها مما يشغل فى المكتبة العربية أنفس موضع وأعز مكان.
مؤلف الكتاب
فى أخريات هذه الحقبة من حياة الأمة الإسلامية ، وبين الجلة من شيوخ هذا العهد وعلمائه نشأ عالمنا جلال الدين السيوطى ، فتأثّر بها وأثر فيها ، وكانت حياته ومصنّفاته صورة صادقة لها.
وخير ترجمة له ما تحدث به هو عن نفسه فى كتابه «حسن المحاضرة (١)» ؛ إذ قال :
عبد الرحمن بن الكمال أبى بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان
__________________
(١) الجزء الأول ، صفحة. ٣