وأما الرحمتان : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ؛ فرخّص له فى الإفطار والقضاء بأيام أخر.
وأما الكرامتان فقوله : (شَهْرُ رَمَضانَ). وليلة القدر التى هى خير من ألف شهر ؛ فالصيام أفضل الطاعات ؛ لأنه يصوم بأمر ، ويفطر بأمر : كلوا واشربوا. والجوع والعطش وغير التمتّع من عذاب أهل النار ، والله لا يجمع على الصائم عذابين ، ويعطون الغرف فى الجنة بصبرهم ؛ قال تعالى (١) : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا). وكلّ عمل لا يخلو من وجهين : إما طاعة مع الغفلة ، أو معصية مع الشهوة ؛ فجعل الله قبول الطاعة بالصوم قوله : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، وجعل غفران المعصية بالصوم ؛ قال تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً) ... (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ ...).
وانتهاء المناهى أفضل من ائتمار الأوامر ؛ ألا ترى أنه قال : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. قال (٢) : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى). والصوم من انتهاء المناهى ؛ والزّهد فى الحلال أفضل من الزهد فى الحرام ، والصوم من الزّهد فى الحلال ؛ وفى نداء عباده تعالى بالإيمان من اللطائف والفضائل ما لا يحيط بها إلا هو ، كأنه سبحانه يقول : يا من أقررتم بوحدانيتى ، وعرفتم ديموميتى ، لا تقنطوا من رحمتى.
قال بعضهم : النداء على عشرين وجها :
خمس من الله فى الدنيا ، وخمس للآدميين فى الدنيا ، وخمس من الملائكة فى الدنيا ، وخمس من الملائكة فى الآخرة.
__________________
(١) الفرقان : ٧٥
(٢) النازعات : ٤٠