فيبسطهما على بساط فتهبّ الرياح فتتلاشى الروائح المستعارة ، كلّ رائحة تعود إلى أصلها ، فيبقى الأصل على ما خلق عليه. فكذلك الكافر والمؤمن فى صلب آدم ؛ فأصاب الكافر رائحة من المؤمن ، فيعمل منها الحسنات ، وأصاب المؤمن رائحة من الكافر فيعمل منها السيئات ؛ فإذا كان يوم القيامة يجمعهم الله فى بساط واحد ، فتهبّ رياح القيامة ، فترجع حسنات الكافر إلى المؤمن ، ويرث بها منزله فى الجنة ، وسيئات المؤمن إلى الكافر ويرث بها منزله فى النار [٢١٨ ا] فتتلاشى العوارى ، وتبقى الأصول على ما قدّر وقضى ؛ قال تعالى (١) : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ). وقال (٢) : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ).
ومنها أنه كان فى خروجه من الجنة رحمة من الله له وإكراما بالنبوءة والتكاليف. والفائدة فيه أنه يرحم من عصاه فى جواره ، فالأولى ألّا يعاقب من عصاه فى جوار إبليس.
قيل : إنه قال : يا رب ، إنى أستحى من ولد محمد. فقال له : سأمهّد له عذرك ؛ فقال (٣) : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ؛ أى لم يعتقد الذنب ، ولم يثبت عليه ؛ بل اعتذر وندم. وكذلك مهّد الله عذر هذه الأمة المحمدية بقوله (٤) : (لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ). وقال (٥) : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً). ((٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ). أدبك بأوامر ولم يرض أن يعاتبك غيرة منه إليك ، فاعتذر منك إليك.
((٧) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) ، أى أخذ ، قيل ، على قراءة الجماعة. وقرأ ابن كثير بنصب آدم ورفع الكلمات ؛ فتلقى على هذا من اللقاء ،
__________________
(١) الأنفال : ٣٧
(٢) العنكبوت : ١٣
(٣) طه : ١١٥
(٤) النحل : ١١٩
(٥) النساء : ٢٨
(٦) الأنبياء : ٣٧
(٧) البقرة : ٣٧