الإشارة الرابعة : في اختلاف مراتب الناس في الاستخارة ، قال ابن طاووس في فتح الأبواب : أكثر الناس لا يحبّون ما أراده الله منهم ، ولا يلتفتون إلى الاستخارة ، وهم فرق ، ففرقة كانوا مشغولين عن أخبار الاستخارات بمهام دنياهم(١) ، فلم يتفرّغوا لاعتبار ما ورد من الروايات ، ولو وقفوا على ذلك لالتفت واإليها ولما وقفوا عنها.
وفرقة وجدوا فيها أكداراً وإعساراً ، فتوقّفوا عنها ونفروا منها ، وهؤلاء إذا نظر في حالهم منصف ، عرف أنّهم لم يقيموا شروط الاستخارة ، فالذنب كان(٢) لهم دونها ؛ لأنّهم يستخيرون على سبيل التجربة ، فينظروا هل يظفرون بمرادهم أم لا ، والذي يستخير على سبيل التجربة يكون سيّىء الظنّ بالله ، أو سيّىء الظنّ بالرواية ، وكلاهما يُمنع من الاستخارة ، والله سبحانه يقول : (الظَّانِّيْنَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)(٣) والمستخير على هذه الصفات يكون أقرب إلى النقمات ، من أن يظفر بفوائد الاستخارات.
وفرقة لا ثقة لهم بالاستخارة ولا يقين ، بل إن جاءت الاستخارة كما يريدون ، عملوا بها وإلاّ نفروا منها ، وما يؤمن هؤلاء من دخولهم تحت عموم تهديد(٤) في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْف ـ أي شكٍّ ـ فإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ الْمُبِيْنُ)(٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) في المصدر : بمهام دينهم ودنياهم.
(٢) (كان) أثبتناه من المصدر.
(٣) سورة الفتح ٤٨ : ٦.
(٤) في المصدر زيادة : ووعيد سلطان العالمين.
(٥) سورة الحجّ ٢٢ : ١١.