قال الإمام البغوي في شرح السنّة عند كلامه عن جمع القرآن : « ... فإنّ القرآن مكتوب في اللّوح المحفوظ على التّرتيب الّذي هو في مصاحفنا ، أنزله الله تعالى جُملةً واحدة ً في شهر رمضان ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا ، ثمّ كان ينزّله مفرّقاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدّة حياته عند الحاجة وحدوث مايشاء الله عزَّوجلَّ ، وترتيب النّزول غير ترتيب التّلاوة ، وكان هذا الاتّفاق من الصّحابة سبباً لبقاء القرآن في الأُمّة رحمة من الله عزَّوجلَّ لعباده وتحقيقاً لوعده في حفظه على ما قال جَلَّ ذكره : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١)»(٢).
وكلام البغوي صريح بأنّ ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة ، وأنّ المنزَل من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور غير الذي نُزِّلَ منجَّماً لما قضت به حكمة الله فيما فيه صالح العباد ويسر الدين.
ونقل أبو شامة عن أبي بكر ابن الطَّيِّب ما يشير إلى أنّ ترتيب السور والآيات كانت باجتهاد من الصحابة ، فقال : « ... وأنّه قد يمكن أن يكون الرّسول قد رتّب سُوَره على ما انطوى عليه مُصْحَف عُثمان ، كما رتّب آيات سُوَره ، ويمكن أن يكون قد وكّل ذلك إلى الأُمّة بعده ولم يتولّ ذلك بنفسه ، وأنّ هذا القول الثّاني أقرب وأشبه بأن يكون حقّاً على ما سنبيّنه فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وأنّ القرآن لم يثبت آية على تاريخ نزوله ، بل
__________________
(١) سورة الحجر : ٩.
(٢) شرح السنّة للبغوي ٤/٥٢٢ ، ٥٢٣ ، وانظر البرهان للزركشي أيضاً.