إنّ اختلاف مضامين السور والآيات وارتباطها الكامل بالأحداث والحوادث التي وقعت طيلة أيّام الدّعوة يفرض علينا القول بأنّ القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة عصر الدّعوة النبوية.
فمثلا الآيات التي تدعو المشركين إلى الإسلام ونبذ عبادة الأوثان تناسب مع عصر قبل هجرة الرسول من مكّة؛ حيث ابتلي الرسول بالوثنيّين.
وأمّا آيات القتال وآيات الأحكام فقد نزلت في المدينة المنوّرة؛ حيث أخذ الإسلام ينتشر ، وأصبحت المدينة تشكّل حكومة إسلامية كبرى»(١).
والكلام عن هذا الموضوع طويل قد نعود إليه لاحقاً. وعليه فالنظم البديع القرآني والإعجاز البلاغي فيه دليل على عظمته وأنّه النازل من عند الله جلّ وعلا ؛ لأنّه سبحانه تحدّاهم أن يأتوه (بِسُورَة مِن مِثْلِهِ) (٢) أو : (بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات) (٣) رغم نزوله منجّماً ـ لدواعي وأسباب مختلفة ـ في مدّة عشرين عاماً أو أكثر ، كلّ ذلك يؤكّد كونه من عند الله (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً).
وأنّ إنزاله دفعة واحدة يؤكّد علم الله بكلّ الوقائع والأحداث التي ستأتي لاحقاً ، وعلمه بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.
وقد يفهم من اعتراض الكفّار على الرسول (صلى الله عليه وآله) في لزوم نزول القرآن جملة واحدة في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ
__________________
(١) القرآن في الإسلام : ١١٩ ـ ١٢٣.
(٢) البقرة : ٢٣ ، يونس : ٣٨.
(٣) هود : ١٣.