جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا * وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَل إِلاَّجِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) ، بأنّهم عرفوا نزول الكتب السماوية قبل النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) جملة واحدة ، فلماذا يرون نزول القرآن منجّماً الآن؟
قالوا بذلك لأنّهم كانوا لا يعلمون بإنزالها دفعة واحدة قبل نزولها منجّماً على رسوله ، وأنّ الله سبحانه لم يكذّبهم فيما ادّعوه عن الرسالات السابقة ، بل أجابهم ببيان الحكمة في نزول القرآن مفرّقاً.
ولو كان نزول الكتب السابقة مفرّقاً ـ كالقرآن ـ لردّ عليهم سبحانه بالتكذيب ولقال لهم إنّها سنّة الله وسنّة المرسلين من قبله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في ردّه عليهم في قوله : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) (١) ، جواباً لطعنهم في الرسول وقولهم : (مَالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ) (٢).
إذن كانت هناك فائدة عظيمة في نزولها دفعة واحدة مثل نزولها منجّمة ، وهي الحفاظ على النسق ووحدة السبك بين آياته وسوره ، إذ ترى وحدة النسق والتلاحم فيما بين أوائل الآيات وأواخرها مشهوداً حسبما نقله الزركشي عن بعض الأئمّة : (ترتيب وضع السور في المصحف) (٣) من برهانه فراجع.
إنّ مسألة عرض القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل جبريل عليهالسلام كانت
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٠.
(٢) سورة الفرقان : ٧.
(٣) البرهان في علوم القرآن ١ / ٢٦٠.