قال القرطبي : «قد قتل يوم اليمامة سبعون من القُرّاء ، وقتل في عهد رسول الله ببئر معونة مثل هذا العدد»(١).
قال أبو شامة في المرشد الوجيز : « ... وحفظه في حياته من أصحابه وكلّ قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة ، أقلّهم بالغون حدّ التواتر ، ورخّص لهم قراءته على سبعة أحرف توسعة عليهم ...» إلى أن قال : «قال المازري : وإن لم يكمل القرآن سوى أربعة فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون ، وما من شرط كونه متواتراً أن يحفظ الكلُ الكلُّ ، بل الشيء الكثير إذا روى كلَّ جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواتراً»(٢).
والأعجب من ذلك أنّا نراهم يقولون بهذا وهم يعلمون بأنّ الحفظ ليس فيه مزيد شرف للصحابي ؛ لأنّ العربي الجاهلي كان قد اشتهر بقوّة حفظه ، حتّى أنّه كان يحفظ الأشعار والمعلّقات في أقلّ وقت ممكن ، إذ كان مغرماً بالأدب شعراً ونثراً ، وكان من دأب العرب أن يجتمعوا في أسواق مكّة : ذي المجاز وعكاظ وعرفات وغيرها يستمعون إلى قصائد شعرائهم ويحفظونها عن ظهر قلب.
وبما أنّ السور المكّية مع قصرها كانت أبلغ من قصائد العرب ، فكان المشركون يتسابقون لاستماع تلاوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صلاة الليل ويحفظونها عن ظهر القلب استلذاذاً بقوّة الفصاحة وسموّ البلاغة ورفعة
__________________
(١) الإتقان للسيوطي ١/١٩٣ / ح ٩٧٩ ، مناهل العرفان ١/١٦٩.
(٢) المرشد الوجيز : ٣٣.