قد ضاع حتماً منها الكثير ، وما وصل منها أقلّ من القليل ، ومع ذلك تبقى عيون الدهشة والاستغراب شاخصة إليها ، خصوصاً عندما نستمع إلى أحمد بن حنبل وهو يقول : «ما جاء لأحد من أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله) من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه»(١).
وسرعان ما يزول هذا التعجّب والاستغراب حين نعلم أنّ ليد الغيب تدخّلا في حفظ آثارهم ومناقبهم عليهمالسلام ، وأنّ الآية الكريمة (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنا لَهُ لَحافِظُوْنَ) (٢) لها ارتباط وثيق بهذا الشأن.
فقد جاء في مناقب ابن شهراشوب بعد أن ذكر قوله تعالى : (فَسئلُوا أهلَ الذِكِرِ) (٣) ، ثمّ قوله تعالى : (إِنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنّا لَهُ لحفِظُونَ) ، قال :
«قال الحارث : سألت أمير المؤمنين عن هذه الآية؟
قال : واللهِ ، إنّا نحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، نحن معدن التأويل والتنزيل»(٤) فإن كان الله (عزّ وجلّ) متكفّل بحفظ الذكر من الضياع والتحريف ، فكذلك أهله ، لا بدّ من حفظ مكانتهم ، وإبراز فضيلتهم ، فبهم يحفظ الذكر ، وبهم تكشف أسراره وتتّضح معانيه.
ولذا فقد قيّظ الله تعالى لنصرة أهل البيت عليهمالسلام ولحفظ فضائلهم ومناقبهم وإظهار حقّهم ومظلوميّتهم من أعلام الحفّاظ النابهين وأئمّة الحديث المتفقّهين الذين تسمو بأنفسهم روح العدل والإنصاف ، فجمعوا ما تبعثر من مآثرهم وما تشتّت من مناقبهم ، وقوّموا الأحاديث وصحّحوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) المستدرك على الصحيحين ٣/١٠٧.
(٢) سورة الحجر : ٩.
(٣) سورة النحل : ٤٣ ، وسورة الأنبياء : ٧.
(٤) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣١٣.