والأهمّ من ذلك وجود شباب يعتدّون برأيهم ويصرّون على قناعتهم ويعرفون القرآن حقّ معرفته وكانوا على اتّصال برسول الله(صلى الله عليه وآله) مثل ابن عبّاس وعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فلماذا لا يحيلون هذا الأمر إلى أمثال ابن عبّاس حبر الأمّة أو إلى غيره من شباب الصحابة ؟!
المسألة لا ترجع لكون زيد شابّاً وله نشاط وما شابه ذلك ، بل الأمر يعود إلى توجّهاته وتعلّقه بالخلفاء وإمتثاله لأوامرهم ، وارتباطه بأهل الكتاب ، حيث وقفت على بعض النصوص سابقاً.
فالخلفاء رفعوا بضبعه إلى أعلى مستوى ورجّحوه على كبار الصحابة أمثال : أبيّ بن كعب وابن مسعود وعليّ بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، والأشعري ، والخدري ، وقالوا عنه بأنّه كان يعرف أغلب اللّغات كالسّريانية والرومية والفارسية والحبشية(١) ، وأنّه أفرض الناس. حتّى من عليِّ بن أبي طالب مع إقرارهم بأنّ عليّاً هو أعلم الصحابة وأقضاهم وهو مدينة علم الرسول وزوج البتول.
قالوا بكلّ ذلك لقربه للخلفاء وتقارب اتجاهاتهم الفكرية ، بل أُنس زيد بأحكام الجاهلية وأصولها ، ومعرفته بلغة اليهود ، وأخذه القراءة والكتابة عن علمائها وأساتذتها ، فجاء عن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : «الحكم حكمان ، حكم الله ، وحكم أهل الجاهلية ، وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ
__________________
(١) في التّنبيه والإشراف للمسعوديّ : وكان يترجم للنّبيّ(صلى الله عليه وآله) بالفارسيّة والرّوميّة والقبطيّة والحبشيّة ، تعلّم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن.