وإلى ذلك أشار الشهيد الأوّل (ت ٧٨٦ هـ) قائلاً : «مُحدثاتُ الأمور بعد عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله) : أوَّلها الواجبُ كتدوين القرآن والسنّة ، إذا خيف عليهما التفلّت من الصدور ، فإنّ التبليغ للقرون الآتية واجبٌ إجماعاً ، وللآية ، ولا يتمّ إلاّ بالحفظ»(١).
بينما بيّن الشهيد الثاني (ت ٩٦٦ هـ) أهمّية التدوين في حفظ الدين ، فقال : إنّ «الكتابة من أجلّ المطالب الدينية ، وأكبر أسباب الملّة الحنيفية من الكتاب والسنّة ، وما يتبعهما من العلوم الشرعية ، وما يتوقّفان عليه من المعارف العقلية. وهي منقسمة في الأحكام حسب العلم المكتوب : فإنْ كان واجباً على الأعيان ، فهي كذلك ، حيث يتوقّفُ حفظه عليها ، وإنْ كان واجباً على الكفاية ، فهي كذلك ، وإنْ كان مستحبّاً ، فكتابته مستحبّةٌ»(٢).
وبالإجمال ، فإنّ حفظ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام للسنّة النبوية الشريفة منح فقهاء الشيعة زخماً عظيماً في التفاني من أجل حفظ الأحاديث الشريفة وصيانتها من التحريف والإضافات التي كانت شائعة في عصر حكم بني أمية وربّما حكّم بني العبّاس أيضاً.
وعندما تمّت كتابة الأحاديث الشريفة في كتب كبيرة وموسوعات حديثية برزت مشكلة جديدة ، وهي : كيف يمكن نقل العلم المدوّن فيها إلى الجيل الجديد من الطلبة؟ فكان السماع ، والقراءة ، والمكاتبة ، والمناولة.
__________________
(١) القواعد والفوائد ج ٢ / ١٤٥ قاعدة ٢٠٥.
(٢) منية المريد في آداب المفيد والمستفيد : ٣٣٩.