قوله (صلى الله عليه وآله) : (لاتكتبوا عنّي شيئاً غير القرآن) ، مع قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقوله : (إِنَّ هذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى) وقوله : (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُّطَهَّرَةً) قال : فكلّ أمر يرجع لإحصائه وحفظه فهو واجب على الكفاية ، وكلّ ذلك من النّصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمّة المسلمين وعامّتهم.
قال : وقد فهم عمر (أنّ ترك النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمعه لا دلالة فيه على المنع) ، ورجع إليه أبوبكر لمّا رأى وجه الإصابة في ذلك ، وأنّه ليس في المنقول ولا في المعقول ما ينافيه ومايترتّب على ترك جمعه من ضياع بعضه ، ثمّ تابعهما زيد بن ثابت وسائر الصحابة على تصويب ذلك»(١).
أنظر إلى اضطراب كلام ابن حجر ، فهل أنّ ما فعله أبوبكر ، لم يكن إلاّ الأمر «بكتابة ما كان مكتوباً ، ولذلك توقّف عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتّى وجدها مكتوبة».
أم أنّ ترك النبيّ جمع القرآن لا دلالة فيه على المنع حسبما فهمه عمر ؟
ألا ينفي أحد القولين الآخر منه ؟
على أن اتّضح لك سابقاً أَنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم يترك جمع كتاب ربّه ، وقد أمر بكتابة آياته بالفعل ، وقد كان له كتبة للوحي ، وأوصى الإمامَ عَلِيّاً عليهالسلام بالجمع النهائي لتلك الآيات والسور بعد وفاته.
هذه المصاحف كانت موجودة وناقصة على عهده(صلى الله عليه وآله) ، والإمام
__________________
(١) فتح الباري لابن حجر ٩ / ١٣ ـ ١٤. وانظر شرح ابن بطال على صحيح البخاري ١٠ / ٢٢٢ / باب جمع القرآن.