أنّ الصحابة كانت لهم صحف أو مصاحف كتبوا فيها القرآن من قبل ، لكنّها لم تظفر بما ظفرت به الصحف المجموعة على عهد أبي بكر من دقّة البحث والتحرّي ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته ، ومن بلوغها حدّ التواتر ، ومن إجماع الأُمّة عليها ، ومن شمولها للأحرف السبعة كما تقدّم. وإذن لا يضيرنا في هذا البحث أن يقال : إنّ عليّاً عليهالسلام أوّل من جمع القرآن بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولا يعكّر صَفو موضوعنا أن يستدلّوا على ذلك بما نقله السيوطي عن ابن الغرس من حديث... [ثمّ ذكر رواية ابن سيرين ورواية ابن أشته من وجه آخر عن ابن سيرين كما تقدّم عن السيوطي فقال :]
نقول (١) : إنّ هذه الرواية وأشباهها لا تغيّر بحثنا ، ولا تعكّر صفو موضوعنا ، فقصاراها أنّها تثبت أنّ عليّاً أو بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف. لكنّها لا تعطي هذا المصحف تلك الصفة الإجماعيّة ، ولا تخلع عليه تلك المزايا التي للصحف أو المصحف المجموع في عهد أبي بكر ، بل هي مصاحف فرديّة ، ليست لها تلك الثّقة ولاهذه المزايا. وإذا كانت قد سبقت في الوجود وتقدّم بها الزّمان فإنّ جمع أبي بكر هو الأوّل من نوعه على كلّ حال. وقد اعترف عليّ بن أبي طالب نفسه بهذه الحقيقة في الحديث الّذي أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بسند حسن آنفاً إذ قال : أعظم النّاسِ أجراً في المصاحف أبو بكر ، رحمةُ الله على أبي بكر ، هو أوّل من
__________________
(١) والكلام للزرقاني.