سابقاً ، ولا يتطابق مع الحقائق الآنفة ، لأنّ المتواتر عندنا ـ حسبما قدّمناه من شواهد ووثّقناه من كتب القوم ـ هو أنّ الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام هو الجامع الأوّل للقرآن لا أبو بكر ولا زيد بن ثابت ، وفي كلام الزرقاني وغيره إشارات إلى قبوله لهذه الحقيقة.
أجل ، إنّهم غيّروا استدلالهم ـ في جمع القرآن ـ في العصور المتأخّرة وذهبوا إلى أنّ المقصود من قولهم : جمع أبو بكر وعمر وعثمان القرآن ، معناه : أنّهم رتّبوها ترتيباً جديداً ؛ أي أنّهم يعترفون بكون القرآن كان موجوداً ومدوّناً ومرتّباً ، قبل هذا التاريخ ، لكنّ الخلفاء رتّبوها ترتيباً جديداً.
وكذا في كلامهم اعتراف بوجود مصاحف لأصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمثال : ابن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، فلو كان موجوداً فلماذا إعادة ترتيبه من جديد؟ قال الأستاذ عزّة دروزة في كتابه القرآن المجيد بعد تأكيده على أنّ النبيّ توفِّي ولم يكن القرآن قد جمع في شيء : «لمّا مات رسول الله... رأى أبو بكر وعمر وكبار الصَّحابة أن يكون هناك مُصحف إمام ، ـ ليكون المرجع لما قد يقع من خلاف في المصاحف المتداولة ـ فكتب هذا المصحف الّذي بذلت الجهود العظيمة في كتابته ، وقورن وقوبل كلّ ما كان متداولاً مخطوطاً ومحفوظاً من القرآن بسبيل ذلك»(١) هذا ما قاله الأستاذ عزّة دروزة في كتابه القرآن المجيد كما قاله غيره تبريراً لما فعله
__________________
(١) نصوص في علوم القرآن ٣ / ٤٤٨ عن القرآن المجيد لدروزة : ١٥٥.