«تعقيب لابدّ منه : وإذا كانوا ـ كما قلنا ـ قد أوفوا على الغاية من التّحقيق في كتابة القرآن الكريم وحفظه ، حتّى لا يستطيع أحد أن يماري في ذلك ، أو يحيك بصدره شيءٌ من الرّيب فيه ، فقد قامت حول هذا الأمر الخطير أُمور سمّوها مشكلات ، نرى من الواجب أن نشير إلى بعضها ، حتّى لا يأخذ علينا أحد أنّنا قد أغفلنا شيئاً ممّا يجب أن يعلمه قُرّاء كتابنا عن الرّواية وما جنت ، وهو ما يتّصل بموضوعنا ، (وفي كلّ واد أثر من ثعلبة) !
قال العلاّمة طاهر الجزائريّ في كتابه التّبيان(١) ، وهو يتكلّم عن وجوب تواتُر القرآن وما ورد على ذلك من مشكلات : وهنا مشكلات ترد على أصل وجوب تواتُر القرآن ، نذكرها مع الجواب عنها... ـ إلى أن يقول ـ :
نقل عن زيد بن ثابت أنّه قال في أثناء ذكره لحديث جمع القرآن في المُصْحَف ـ وهو الجمع الأوّل ـ وكان ذلك في عهد أبي بكر الصّدّيق : فقمت فتتبّعت القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب...
وقد وقع هذا في الجمع الثّاني ، وكان ذلك في عهد عُثمان ، وقد اختلف المتكلّمون في ذلك ، فقال بعضهم : إنّ هذا الخبر ـ وإن كان مخرّجاً في الصّحيحين ـ غير صحيح ، لاقتضائه أنّ الآيات المذكورة قد ثبتت بغير طريق التّواتُر ، وهو خلاف ما يقتضيه الدّليل المذكور.
وقال بعضهم : ليس في الخبر المذكور ما يقتضي ثبوت الآيات
__________________
(١) كتاب التّبيان هو مهذّب (الإتقان) للسّيوطيّ.