الاختلاف بين مصحف أبي بكر وما يقرأه الناس ، كما عرفت عدم صحّة تبريره للصحابة في عدم نسخهم من نسخة أبي بكر.
فلو كانوا يريدون جمع الناس على قراءة واحدة وأن لا يختلفوا كما اختلفت اليهود والنصارى كان عليهم الرجوع إلى الموجود في بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث اعترف الكردي وأمثاله أنّ بعض الصحابة قد «كتبوا مصاحفهم على ما عند النبيّ(صلى الله عليه وآله) وتلقّوه منه سماعاً»(١) فلو كان هذا المصحف موجوداً ـ وهو موجود حقّاً في بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وخلف فراشه(صلى الله عليه وآله) ـ فعليهم جمع الناس عليه لا أن يبدؤوا في جمع القرآن من جديد.
ثمّ جاء الكردي بسؤال آخر وهو :
«يسأل بعضهم : أيضاً : لِمَ لَمْ يجتمع أبو بكر وعمر وعُثمان وعليّ على نسخ المُصْحَف وهم يحفظونه كلّه في صُدُورهم ؟
فنقول(٢) : إنّ أبا بكر هو خليفة المُسلمين ، وهؤلاء هم كِبار الصَّحابة ، وهم أصحاب الرّأي والشّورى ومنهمكون في الغزوات ونشر الإسلام والنّظر في مصالح الأُمّة ، فاشتغالهم بأنفسهم بجمع القرآن يمنعهم عن النّظر في شؤون المسلمين ؛ لأنّ التّفرّغ لجمعه يحتاج إلى مدّة طويلة وعناء عظيم. وإذا عرفت أنّهم كانوا يجمعونه ممّا كتب على نحو العظام والألواح والحجارة ، وأنّهم ما كانوا يقبلون من أحد شيئاً من القرآن إلاّ بشاهدين ، علمت أنّهم
__________________
(١) تاريخ القرآن الكريم : ٣٠.
(٢) القول للكردي أيضاً.