لحوزة الحلّة الدينية والانتقال إلى النجف الأشرف أو كربلاء المقدّسة ، أو مدن أُخرى ، لائذين بالحرم الشريف للإمام عليٍّ عليهالسلام وبالحائر الحسيني للإمام الحسين عليهالسلام ، باحثين عن الأمن والإطمئنان.
ولعلّ أوّل المهاجرين منها من العلماء والفقهاء الكبار هو فخر المحقّقين محمّد أبو طالب ابن العلاّمة الحلّي ، الذي تصدّى للمرجعية الدينية بعد رحيل والده العلاّمة سنة (٧٢٦ هـ) ، وبقي بعده ردحاً من الزمن ساهراً ومحافظاً على الحوزة العلمية في الحلّة ، وحريصاً على تربية العلماء والفضلاء فيها ؛ إلاّ أنّه فارق الحلّة بعد وفاة والده. وليس بين أيدينا من نصوص التاريخ ما يفصح عن الأسباب التي دعته إلى مفارقة حوزته العلمية ؛ إلاّ أنّه يظهر من كلامه في بعض ما كتبه أنّه كان يشكو أعداءه ، وتلك الأوضاع السيّئة التي ظهرت في عصره ؛ وهذا ما يستفاد من كلامه في حاشيته على كتاب الألفين لوالده العلاّمة والذي نصّه ما يلي : «يقول محمّد بن الحسن بن المطهّر حيث وصل في ترتيب هذا الكتاب وتبيينه إلى هذا الدليل (الدليل الحادي والخمسين بعد المائة) في الحادي عشر جمادى الآخر سنة ستّ وعشرين وسبعمائة بحدود آذربيجان ؛ خطر لي أنّ هذا [الدليل] خطابي لا يصلح في المسائل البرهانية ، فتوقّفت في كتابته ؛ فرأيت والدي عليه الرحمة تلك الليلة في المنام ، وقد سلاّني السلوان وصالحني الأحزان ، فبكيت بكاءً شديداً وشكيت إليه من قلّة المساعد وكثرة المعاند ، وهجر الأخوان وكثرة العدوان ، وتواتر الكذب والبهتان ، حتّى أوجب ذلك لي جلاء عن الأوطان ، والهرب