الأمارة المزيدية بلغت استقلالها شبه الكامل كامبراطورية لأُمراء الشيعة في أوج قوّة العهد السلجوقي ، عندما كان السلاجقة مسيطرين على معظم المناطق الإيرانية ، وكانت بغداد العاصمة نفسها واقعة تحت نفوذهم ، متّخذين من مدينة الحلّة عاصمةً لأمارتهم»(١).
ففي الوقت الذي كان الشيعة يتعرّضون للاضطهاد المذهبي في بغداد وإيران ، على يد السلاجقة بعد سقوط الدولة البويهية ، نجد الشيعة والتشيّع ينتشر في الحلّة وضواحيها والمناطق الجنوبية التي خضعت للإمارة المزيدية.
وفي الوقت الذي كان فيه السلاجقة يضطهدون العلماء الشيعة ويتعرّضون لدور العلم والمكتبات الشيعية ، بل وكلّ ما يمتّ للشيعة بصلة ضمن عملية استئصال وردع مذهبي ممنهج ، وفّرت الدولة المزيدية للفقهاء والعلماء الشيعة الأجواء الآمنة والمستقرّة ، فانطلقت فيها حركة العلم والعلماء.
يقول أحد المحقّقين : «الحلّة هي وريثة بابل .. وكان بابل وسوراء وحواليها معقل العلم قبيل الإسلام وبعده ، ومركز الاصطكاك العقلي بين مفكّري الأُمم الهند وإيران من الشرق ، والسريان والآراميّين من الغرب ، وبها امتزج الغنوص الشرقي مع النبوّات السامية ، ثمّ صار معقل الشيعة ، ومنها كان يلهم الشيعة بكرخ بغداد ، وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم وإحراق مكتباتهم
__________________
(١) تاريخ المؤسّسة الدينية : ٧٣.