وبالإمام وبجميع ما جاء من عندهم ، ولتفصيل أقوالهم مجال آخر(١).
ولكن عندما وصلت النوبة إلى الشريف المرتضى(٢) ، ذهب إلى تعريف الإيمان بأنّه (التصديق بالقلب) ، ولا اعتبار بما يجري على اللسان ، أي إنّه جعل الإيمان من سنخ المعرفة والعلم والتصديق بما يجب على المكلّف معرفته ، مثل معرفة الله تعالى ، وكلّ ما أوجب معرفته(٣) ، وجعل الكفر في مقابله ، فعرّفه بأنّه (الجحود بالقلب) ، أي جحود ما أوجب الله تعالى معرفته ، وبذلك انقسم الناس حسب هذا التعريف إلى مؤمن وكافر.
وقد منح تعريف الإيمان والكفر بالتصديق والجحود للمرتضى مرونة في تسمية مرتكب الكبيرة ، فلو كان قد ربط الإيمان ـ بالعمل كما فعل المعتزلة ـ لاضطر إلى إخراج مرتكب الكبيرة من دائرة الإيمان الذي كان عندهم اسماً للطاعات ، لكنّه ربط تعريف الإيمان بالاعتقاد القلبي ، وبما أنّ ارتكابَ الكبيرة مرتبط بالعمل ، لذا صار من الممكن الحفاظ على صفة الإيمان لمرتكب الكبيرة ، مع إعطائه في نفس الوقت اسم الفاسق ، فمرتكب الكبيرة مؤمن قلباً واعتقاداً ، وفاسق فعلاً.
وقد قال الشيخ المفيد بهذا الصدد : «وأقول : إنّ مرتكبي الكبائر من أهل
__________________
(١) مقالات الإسلاميين ، ص٥٣.
(٢) تقدّم أنّ آراء الشريف المرتضى قريبة جدّاً في هذا المجال من آراء الشيخ المفيد ، لكنّنا ركّزنا البحث هنا على المرتضى لأنّه مورد بحثنا ، ولوجود مادّة علميّة في كتبه حول هذا الموضوع أكثر غزارة من كتب المفيد.
(٣) الذخيرة ، ص٥٣٦.