وهذا الوجه أيضاً يحتمله قوله : (فِطْرَتَ اللَّهِ) الآية.
فإذا ثبت ما ذكرناه في معنى الفطرة فقوله عليه السلام : (حتّى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه) يحتمل وجهين :
أحدهما : أنّ من كان يهوديّاً أو نصرانيّاً ممّن خلقته لديني وعبادتي ؛ فإنّ أبواه جعلاه كذلك ، أو من جرى مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلّده في الضلال.
وإنّما خصّ الأبوين لأنّ الأولاد في الأكثر ينشئون على مذاهب آبائهم ، ويألفون أديانهم ؛ ويكون الغرض بالكلام تنزيه الله عن ضلال العباد وكفرهم ، فإنّه إنّما خلقهم للإيمان فصدّهم عنه آباؤهم ، ومن جرى مجراهم.
والوجه الآخر : أن يكون معنى : (يهوّدانه وينصّرانه) أي يلحقانه بأحكامهما ، لأنّ أطفال أهل الذمّة قد ألحق الشرع أحكامهم بأحكامهم ؛ فكأنّه قال عليه السلام : لا تتوهّموا من حيث لحقت أحكام اليهود والنصارى أطفالهم ، أنّهم خلقوا لدينهم ، بل لم يخلقوا إلاّ للإيمان والدين الصحيح ؛ لكنّ آباءهم هم الذين أدخلوهم في أحكامهم.
أقول : كان الوجه في تأويل ذلك أن يكون المراد كلّ مولود مستعدّ ، ومن شأنه أن يوجد موحّداً على فطرة الإيمان إلاّ أن أبويه من اليهود والنصارى ، بل من كلّ أهل دين باطل وأهل ضلالة هم الذين يزيلون هذا الاستعداد الذي له ويضلاّنه ، أي كلّ مولود فإنّ من شأنه أنّه مستعدّ لتحصيل الإيمان وتوحيد الرحمن ، ومعرفة العدل والنبوّة والإمامة إلاّ أن يغيّره عن ذلك