توجيه المشكلة وتفسير المعضلة :
وبعد أن تعرّفنا على هذه المشكلة ، وواجهتنا هذه الظاهرة التي قد تبدو غريبة في مصنّفات ابن أبي جمهور الحديثيّة وتراثه الحديثي المتمثّل بموسوعتَيْه الروائية ، وهما العوالي والدرر ، فينبغي لنا أن نجد لها تفسيراً يرفع عنها هذا الإعضال ، وتوجيهاً علمياً يدفع عنها هذا الإشكال ؛ فنقول : إذا عرفنا أنّ ابن أبي جمهور قد جمع في العلوم العقلية بين المذاهب الفكريّة المختلفة ، بل حتّى المشارب النظريّة المتشتّتة ، حيث قد جمع بين الفلسفة والحكمة والتصوّف والعرفان ، قد زال العجب وهان الخطب ، لما هو المعروف من أنّ هذه الطائفة لهم تسامحٌ عجيب في الروايات ونقلها.
وليس ابن أبي جمهور وحيداً في هذا المسلك ، فهناك طائفة من العلماء وجماعةٌ كبيرة من العرفاء والصوفية والفلاسفة الذين لهم إدراك واسع في العلوم العقليّة إلاّ أنّهم يتساهلون في مقام رواية الأحاديث ونقل الأخبار ، ولا يلاحظون المباني الحديثيّة ولا يراعون القواعد الرجاليّة ، فيَروُون كلّ منقول يوافق مذاقهم التأويلي وإن كان حديثاً مرسلاً ، وينقلون كلّ ما يؤيّد آرائهم العقليّة وإن لم ينقله أحد من المحدّثين ، ويحدّثون بكلّ ما يلائم أفكارهم العرفانيّة وإن لم يكن حديثاً أصلاً عند من يتتبّع في الأخبار والأحاديث ، فنرى عدم الالتزام بالمباني والأصول الحديثيّة في مرويّات بعض علماء الشيعة بل فقهائها الذين يعدّون من جماعة العرفاء والفلاسفة بل الصوفيّة أيضاً من أمثال : السيّد حيدر الآملي (ت ٧٨٢ هـ) ، والملاّ صدرا