يمكن تقسيم الميول الفكريّة لفقهاء الشيعة في ذلك العصر إلى ثلاث طوائف في ضوء ما تتّسم به أعمالهم ومؤلّفاتهم :
الطائفة الأُولى : الخطّ الفقهىّ والكلامىّ الشيعىّ الأصيل ، ومن أبرز أعلامه : فخر المحقّقين (ت ٧٧١هـ) ، والشهيد الأوّل (ت ٧٨٦ هـ) ، وابن المتوّج البحراني (ت ٨٢٠ هـ) ، والمقداد السيورىّ (ت ٨٢٦ هـ) ، والشيخ مفلح الصيمري (القرن ٩) الذين كانوا يعيشون خارج إيران ؛ أي في العراق ، وجبل عامل ، والحجاز ، والبحرين ، وبقوا منهمكين في النشاط العلمي ، وبعيدين عن عواصم حكومة الإيلخانيّين والتيموريّين.
الطائفة الثانية : الفقهاء الذين كانت مناهجهم العلميّة قائمة على أساس المنهج الفقهي والكلامي الأصيل ، ولم يُقحموا أنفسهم بتاتاً مع الصوفية وذوي الخانقاه ، إلاّ أنّه استهوتهم دراسة العرفان النظري ، فمالوا قليلاً إلى المباحث الصوفيّة في المسائل الأخلاقيّة فحسب وليست الفقهيّة ، وكانوا ينقلون بعض أقوالهم في المسائل التي تتطابق مع آرائهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى ابن فهد الحلّي (ت ٨٤١ هـ) صاحب كتابي التحصين وعدّة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكلامي ، وإنّما بمعنى الاعتقاد بأصل الولاية (وهو تولّي أهل البيت عليهمالسلام) ، غير أنّه لا يصل إلى حدّ التبرّي من أعدائهم.
من أجل فهم ظروف وطبيعة تشيّع هؤلاء المشايخ يمكن الإشارة إلى الملاّ عبد الرحمن الجامي الذي كان يعيش في عهد التيموريّين ، وقال في وصف تلك الظروف : إنّه في هرات كان يخشى أهل السنّة في خراسان بسبب مدحه عليّاً عليهالسلام ؛ مخافة أن يتّهموه بالرفض ، في حين أنّه واجه في بغداد عنفاً من الروافض. (مقامات جامي : ١ / ١٦٦ ـ ١٧٠).