أن نشتري لحية للأحنف [ولو] بعشرين ألفاً ، قال : وقال شريح القاضي ـ وكان أطلس لا لحية له ـ : وددت أنّ لي لحية بعشرة آلاف(١) وما ذلك إلاّ لكونها زينة الرجال ، وحكم العقلاء يقبح حلقها ، قال(٢) الغزالي : فإنّ لله سبحانه وتعالى ملائكة يقسمون ويقولون : والذي زيّن بني آدم باللحى ، وهو من تمام الخلقة ، قال : وعن غريب التأويل : اللحية هي المراد بقوله تعالى : (وَيَزِيْدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ)(٣) وفيها تعظيم الرجل والنظر إليه بعين العلم والوقار والرفع في المجالس وإقبال الوجوه إليه والتقديم على الجماعة(٤) ، انتهى.
ولا ريب في حكم العقل بقبح حلق ما هو بهذه الصفات ، ألا ترى أنّ الرجال المُعَنوَنين من المليين وغيرهم كالرهبان والقسّيسين والأحبار والمعلّمين وكبار الهنود والملوك لا يحلقون لحاهم محافظة على وجاهتهم وجلالتهم ، لأنّهم يرون أنّ الحلق يزري ذلك وما ذلك إلاّ لاتّفاق العقلاء على قبح الحلق وحسن اللحية ، فيطلقون لحاهم ولا يحلقونها ، لا عن دين ، بل لمحض الاستقباح للحلق والتشبّه بما ذكرناه آنفاً ، وبناء العقلاء إذا جاء إمضاؤه من الشارع يكون حجّة ، وقد جاء متواتراً ما يفيد الإمضاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما عرفت.
__________________
(١) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٥٧.
(٢) في المطبوع زيادة : (فان).
(٣) فاطر : ١.
(٤) إحياء علوم الدين ٢ / ٢٥٧.